مقدمة
الحمد لله رب العالمين، الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان، أدخل أولي العلم في أهل الشهادة له بالتوحيد في ربوبيته وألوهيته، ورفع شأنهم وأعلى مكانهم وجعلهم أهل الخشية له سبحانه، فقال جلّ وعلا : {إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْ} ([1]).
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وقائدنا وقدوتنا المصطفى الحبيب رسول الله r إمام المتقين وقائد الغرّ المحجلين، بيّن الكتاب المبين، وأقام الأمّة على الصراط المستقيم، وتركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك، ورضي الله عن آله الأطهار وأصحابه الأخيار الذين شادوا الدين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد :
فهذا البحث قُدّم أصله ورقة علمية في المؤتمر العلمي العالمي الأول لمجمع الفقه الإسلامي بالسودان الذي انعقد في الخرطوم في شوال 1424هـ ديسمبر 2003م، وكان قد قُصد بها التوطئة للبحوث والأوراق العلمية لمؤتمر الجامع القائم على الاجتهاد الجماعي، والمؤسس على مناهج الأئمة وطرائق علماء الأمة في تحصيل الأحكام، والمنضبط بهدي المصطفى وأصحابه الكرام والعلماء الأعلام في أمّة الخير من سلفها وخلفها رضوان الله عليهم.
لذلك استدعى أن تتضمن الورقة المباحث الستّة الآتية:
! المبحث الأول: في تعريف الاجتهاد والاجتهاد الجماعي .
! والمبحث الثاني: في تاريخ الاجتهاد الجماعي للوقوف على مشروعيته بالاطمئنان على ممارسته وسلوكه في القرون الخيرة.
! والمبحث الثالث: في التفريق بين الاجتهاد الجماعي وبين الإجماع والشورى لتحديد مفهومه.
! والمبحث الرابع: الحاجة إلى الاجتهاد الجماعي في العصر الحاضر.
! والمبحث الخامس: في أسس الاجتهاد الجماعي.
! والمبحث السادس: في ضوابط الاجتهاد الجماعي.
وقد رأي بعض الإخوان ضرورة نشره تعميماً للفائدة، وإتاحة فرصة أكبر للتداول حول موضوعه، إثراءً للفكر، ونشراً للفقه؛ وبحثاً لما يمكِّن المسلمين من الوقوف على الأحكام الفقهية بأداة تناسب العصر ومستجداته وتعقده وتشعّب قضاياه، والاستفادة من التخصصات العلمية المختلفة واستصحابها في النظر والاستنباط والتنْزيل.
ونسأله تبارك وتعالى أن يتقبّل هذه الورقات بقبول حسن وأنْ يُرضي بها المؤمنين، وكل عمل لا يرضاه الله ولا رسوله ولا المؤمنون إلى خسارة، وقد قال تعالى في محكم تنْزيله: { وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ} ([2]).
ولا يفوتني في هذا الموضع المبارك أن أدعو الله تبارك وتعالى لكل من أعانني على إخراج هذه الرسالة، ولم يبخل عليّ بنصيحة أو تصويب أو رأي؛ أنْ يبارك لهم جميعاً في أقواتهم وأوقاتهم، وأن يجزل لهم المثوبة بكرمه ومنّه، وأخصّ بشكري العلامة الأديب الأريب الأستاذ الألمعي الموسوعي، أخي الأستاذ الدكتور محجوب محمد آدم، الذي فتّق أبكار الفكر بمذاكرته، وفتّح الأذهان بمعارضاته، ومتّع الآذان بمجالسته، وأسال دمْع السِّنان بملاحظته، وأوقد سنا الحقيقة بمراجعته ومناقشته، فنفعني الله برأيه، جزاه الله عني وعن العلم خير الجزاء.
عبد الله الزبير عبد الرحمن
الخرطوم في ذي الحجة 1430هـ
