مُقَدِّمة
الحمد لله الذي وسع كل شيء علماً، وما ترك من شيء إلا وقضى له حكماً.. والصلاة والسلام على النبي العربي محمد بن عبد الله الأمي الذي علم المتعلمين.. واليتيم الذي بعث الأمل في قلوب البائسين.. والربان الذي قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط وعترك الأمواج إلى شاطئ الاستسلام لله رب العالمين على أشرعة العلم.
وبعد:
فإنه قد مضى على المسلمين زمانه ودهر غشيتهم خلاله غاشية الانحطاط والتخلف، فعمّ عقولهم الجهل وقلوبهم التيه، فغلب الفساد فيهم والفوضى، وكثر الارتداد الفكري فيهم والمرض: مرض القلوب والنفوس والعقول.
في هذه الحال لم يجد المتقون والمتدينون إلا الفتن تحاصرهم من كل اتجاه، وشياطين الجن والإنس تنازعهم دينهم، فاعتصموا بالواجبات وهجروا المباحات وتركوا ساحات الحلال، ولما بحثوا مستندا لهم يتعضدون به، وبه يحتجون، وجدوا سد الذريعة مرجعاً والاحتياط ملجأ فأمسكوا بهما بقوة.
وهذا الأصل الشرعي أصلٌ أصيل، وقاعدة عظيمة، ودليل معتبرقد بنى عليه الشارع أحكاماً، فحرم سداً للذريعة، وأباح فتحاً للذريعة أموراً وتصرفات وسلوكيات ومعاملات.
بيد أنه لا يخفى أهمية أصل الذرائع بين أصول التشريع.. وأنه لا يخلوا باب من أبواب الفقه إلا ويظهر فيه أثر هذا الأصل وأهميته في الشريع مما جعل بعض العلماءيعده أحد أرباع التكليف مثل ابن القيم رحمه الله تعالى.
ومما يزيد أهمية البحث فيه والتنقيب عنه وتأصيل القواعد عليه وبناء الفروع ـ صعوبة العمل بسد الذرائع وتقرير الأحكام واستنباطها على أساسه.
فالمجتهد ينظر إلى المسألة فيجدها ظاهر الإباحة حلالاً في الأصل، وينظر إلى مآلهافيجده غالب المفسدة فيتعارض عنده أصلان:
الأول: أصل الإذن والإباحة في الفعل.
والثاني: أصل درء المفسدة الغالبة، فإن أقرّ أصل الإذن وقال بالإباحة أُ عترض عليه، وإن درء المفسدة وقال بتحريم الفعل المباح اعترض عليه أيضاً.
وهذا يُظهر أهمية سد الذرائع بالنسبة للمجتهد.
ولقد بدأ في هذه الآونة بفضلٍ من الله الكريم المنّان أوبة وتجديد، يتطلع بهما الناس تأصيل قضاياهم والمستجدات في حياتهم اليومية،ومواقفهم الدعوية، وتصرفاتهم الاجتماعية، ومعاملاتهم المالية.
لذلك رأينا أن نسهم ببيان ما يمكن بيانه من القضايا المالية والمعاملات الاقتصادية وأمور البيع والشراء بعد تأصيل هذا الأصل، ومعرفة حجيته، وهل الفقهاء أعملوا سد الذرائع وبنوا على اعتباره الفتاويوالاحكام؟ وهل بالفعل تأثرت القضايا المالية ومعاملات الناس فيها بأصل سد الذرائع؟..
هذه الأسئلة والاستفسارات يجيب عنها هذا البحث الصغير في حجمه والذي أحب أن يكون كبيراً في النفع والإرشاد والتوجيه والتصويب.
لذلك سيأتي البحث موزعّاً على ثلاثة فصول مع هذه المقدمة، والفصول هي:
الفصل الأول: في حقيقة سد الذرائع وحدّه.
والفصل الثاني: فيحجية سد الذ1رائع ومذاهب العلماء فيه.
والفصل الثالث: في أثر سد الذرائع في المعاملات المالية.
ثم زيلت البحث بخاتمة لخصت فيها نتائج البحث.. والله أسأل القبول والسداد.
اللهم اجعل عملي كله صالحاً واجعله لوجهك خالصاً ـ ولا تجعل لأحد منه شيئاً.
عبد الله الزبير عبد الرحمن صالح