مقدمة:
إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فهذه ورقة كتبت للمشاركة في المؤتمر الثاني الذي ينظمه مركز بحوث القرآن الكريم والسنة النبوية: (التكامل المعرفي بين علوم الوحي وعلوم الكون) وقد اخترت هذا الموضوع تحقيقاً للمحور الثاني للمؤتمر: [ التطور الإسلامي لمنهجية المعرفة]. وذلك لتأكيد أن شرعة الإسلام لا تنفر من أي علم كان، بل تجعل العلوم كلها متعاضدة متكاملة، ولم يرفض علم من العلوم الشرعية علماً من العلوم الطبيعية أو التطبيقية أو الإنسانية أو الكونية، وإنما الحقيقة التلاقي والتصاحب والتوافق والتكامل، فلا تعارض بين الدين والعلم في الإسلام، ولا تنافي بين النقل والعقل، إن صحّا وسلما من الاحتمالات والاعتراضات. فإن عجز بعض أهلهما من التوفيق قدر على ذلك غيرهم واستطاع.
بل الحقيقة التي تغيب عن كثير من المتعاملين مع علوم الشريعة من داخلها أو من خارجها، أن أكثر العلوم الشرعية عقلية عند عالمها، وأن أكثر العلوم العقلية شرعية عند عارفها، كما قرر ذلك الإمام الغزالي ~ فقال: (( اعلم أن العلم في قسمين: أحدهما شرعي، والآخر عقلي، وأكثر العلوم الشرعية عقلية عند عالمها، وأكثر العلوم العقلية شرعية عند عارفها {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} ([1])، فالعلوم الشرعية أكثرها عقلي، لأنه بدّ فيها من استعمال طلاقة العقل، وكذلك أكثر العلوم العقلية شرعية عند التحقيق؛ لأنه لا بدّ من مراعاة قيد الشرع، والجمود والتقليد لا يكونان فقط بالكف عن استعمال العقل، وإنما يكونان أيضاً بالفصل بين ما هو شرعي وما هو عقلي، والاستغناء بأحدهما عن الآخر؛ فعدم استعمال العقل في الشرعي جمود وتحجّر، وكذلك عدم الاهتداء بالشرع في العلوم العقلية جمود وتحجّر، لأنّ الحقّ الواصل عن طريق الوحي لا يتعارض مع الحق الواصل عن طريق العقل الصحيح بالبحث والنظر)) اهـ([2]).
فأحببت أن أكتب في موضوع يظهر التكامل المعرفي مع علوم الشريعة، فكان هذا الموضوع: (مستجدات العصر: ومظاهر التكامل المعرفي في التعامل الفقهي). وقد جعلته في ثلاثة فصول، لكل فصل مبحثان:
الفصل الأول: في تعريف المستجدات وحكم النظر فيها.
فالمبحث الأول: في تعريف المستجدات والنوازل.
والمبحث الثاني: في حكم استيعاب المستجدات.
والفصل الثاني: في مناهج وطرائق التعامل الفقهي مع المستجدات. المبحث الأول: في مناهج التعامل الفقهي مع المستجدات.
والمبحث الثاني: في طرائق التعامل الفقهي مع المستجدات.
والفصل الثالث: في مظاهر التكامل المعرفي في فقه المستجدات.
المبحث الأول في: الحاجة إلى التكامل المعرفي في فقه المستجدات.
والمبحث الثاني في: نماذج من مظاهر التكامل المعرفي في المستجدات.
والله تعالى أسأله أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه.
اللهمّ اجعل عملنا كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئاً، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا رسول الله r .
([2]) نقله عنه د. صالح بن حميد حفظه الله في الجامع في فقه النوازل، ص 14، ولم أقف على نصّ الغزالي مع بحث وتفتيش.
