محبة الله تعالى

مقدمة:

محبة الله تعالى هي الغاية القصوى من المقامات ، والذروة العليا من الدرجات .. فما بعد إدراك المحبة مقامٌ إلا وهو ثمرةٌ من ثمارها ، وتابعٌ من توابعها، كالشوق ، والأنس ، والرضا .. ولا قبل المحبة مقامٌ إلا وهو من مقدماتها، كالتوبة ، والصبر ، والزهد ، وغيرها..

والمحبة لله عز وجل هي روح الإيمان والأعمال ، والمقامات والأحوال، التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه .. هي قوت القلوب ، وغذاء الأرواح ، وقرة العيون .. بل هي الحياة التي من حُرِمَها كان في جملة الأموات ، والنور الذي من فقده كان في بحار الظلمات ، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام ، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام .. هي مطايا السائرين إلى الله فتوصلهم رضاه ، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم الفراديس العلا، وتبوؤهم مقاعد الصديقين ..

وتالله لقد ذهب أهل المحبة بشرف الدنيا والآخرة ، إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب ، وقد قضى الله يوم قدر المقادير بمشيئته وحكمته البالغة : أن المرء مع من أحب ، فيا لها من نعمة على المحبين سابغة ..

أجابوا منادي الشوق إذ نادى فيهم : حيّ على الفلاح ! فبذلوا نفوسهم في طلب الوصول إليه ، وأول نقدة من أثمان المحبة بذل الروح ، ولسان حالهم يردد:

               بدم المحب يباع وصلهم  

 فمن الذي يبتاع بالثمن ؟

هذه المحبة شجرة غرسها الله في قلوب من اختارهم لربوبيته ، واختصهم بنعمته، وفضّلهم على سائر خليقته .. شجرة في القلب..

عروقها الذلّ لله ..

وساقها معرفة الله ..

وأغصانها خشية الله ..

وورقها الحياء من الله ..

وثمرتها طاعة الله ..

ومادتها التي تسقيها ذكر الله ..

فمتى خلت المحبة عن شئ من ذلك كانت ناقصة .. هذه المحبة إذا غُرست شجرتها في القلب ، وسُقيت بماء الإخلاص ، ومتابعة الحبيب ، أثمرتْ أنواع الثمار ، وآتت أكلها كل حين بإذن ربها ، إذ أصلها ثابت في قرار القلب وفرعها متصل بسدرة المنتهى ، ولا يزال سعي المحب صاعداً إلى حبيبه لا يحجبه دونه شئ  ، { إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ والعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه } .([1])


([1]) سورة فاطر : 10 .

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *