مقــدمـة:
الحمد لله رب العالمين .. وأصلي وأسلم على أشرف المرسلين وسائر النبيين ، وعلى آل محمد وأصحابه الغر الميامين الذين شادوا الدين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
وبعــد : ــ
فإن أمر حجاب المرأة المسلمة وزيها الشرعي لأمر جد خطير بالنسب-ة لأثره البليغ في استقرار المجتمعات وإطفاء نار الشهوات .. إذ أن المرأة كانت قد تعرت تماماً وسارت بين الرجال متبرجة تبرج الجاهلية الأولى ، تغمز لذاك برموشها المنفوشة .. وتعضعض شفتيها المنقوشة .. وتتكسر بساقيها الممسوحة.. وتلوح بذراعيها المكشوفة .. وتصعّر خدها مائلة تميل القلوب الضعاف ، وتضعف القلوب التي شعشع نور الإيمان فيها وتزيغ قلوب فريق من المؤمنين …
بل جاهرت النداء للرجل تدعوه للسفاح والزنا ، وتتربص به الدوائر، فسمّت ( التسريحات ) بعد أن أرسلت شعرها بأسماء هي في حقيقتها دعوة للزنا والفاحشة تحت عنوان التطور والتمدن و(الموضات) تعف الألسنة من ذكرها وتستهجنها الفطر السوية..
أما الدعاة والعلماء فقد اجتهدوا ـ جزاهم الله خيراً ـ في دعوة المؤمنات المسلمات إلى الاحتجاب والتزام زي الإسلام الحافظ لها ، والراعي لكرامتها ، واللائق بأنوثتها ، حتى أثمر جهدهم واجتهادهم ، فالتزم جل نساء المؤمنين بالحجاب الإسلامي، وقل من تبرجت ، وندر من تعرت، وقد عمت الصحوة الأرجاء ، وتجدد إيمان المؤمنين فسالت أودية بالبر والتقوى والعمل الصالح ، فأنبتت الأوبة والتوبة والرجوع إلى حدائق الإسلام الزاهرة ، وبساتينه الباهرة ، قليلة الضلال ، نادرة الفسوق والعصيان ..
وبعد هذا اشتد نزاع بين الناس في أي اللباسين واجب على المؤمنات وأيهما يجوز ؟؟.. الحجاب أم النقاب ؟؟؟ …
أن تغطي المرأة جسدها ووجهها وكفيها وقدميها هو الواجب عليها والمفروض ؛ أم يجوز لها أن تكشف وجهها وكفيها ثم لا تجد إثماً ولا تخاف هضمًا ؟؟ …
فكانت هذه الرسالة لتجيب عن هذه الأسئلة ، وقد بالغ فريق النقاب في التشديد حتى ذهب الأمر ببعضهم أن ينكروا الرأي الأخر وأن له قائلين ، وببعضهم أن يسبوا أصحابه ، ولقد سمعت بأم أذنيّ أحدهم مناصراً وجوب النقاب فيقول :
“ ومن قال بغير هذا ففي قلبه مرض وهو غاش لأمة محمد e “
وجاءتني طالبة تقول لي : “ تضررت من لبس النقاب في متابعة الأساتذة والكتابة والنظر إلى السبورة ، وقرأت فيما قرأت أن هناك رأياً يقول بجواز كشف الوجه والكفين ، فلما أردت أن أخلع النقاب وأكشف وجهي اعترضتني الجماعة وحكموا عليّ بالردة والمروق وقرروا هجري “..
فكان حقاً علينا أن نبين الأمر حق تبيينه ليرى المؤمنون والمؤمنات أي اللباسين واجب ؟ وأيهما جائز ، دونما اعتساف أوإجحافٍ ، ودونما تعصبٍ ، إبانةً للحق ، ونصرةً للعلم ، مستندين إلى الدليل وقوته ، والاستدلال وصحته ، حتى تخرج هذه الرسالة للقارئ جامعة للآراء ، مستوعبة للمذاهب ، مرجحة مارأيناه صائباً ، تسنده أدلة الترجيح ، وتسعده الإبانة والتوضيح، بحسب وسعنا ـ والله لا يكلف نفساً إلا وسعها ـ وعليه قصد السبيل …
هذا وقد اصطلحت على ستر الوجه والكفين مع بقية الجسد (بالنقاب ) بينما اصطلحت على ستر جميع الجسد ما عدا الوجه والكفين (بالحجاب ) وذلك لأمرين :
الأول : شهرة تسمية المرأة التي تغطي وجهها بالمنقبة، والتي تكشف وجهها ( فقط ) بالمحجبة.
الثاني : لاختياري أن كشف الوجه جائز وأن اللباس الساتر لجميع الجسد ما عدا الوجه والكفين هو الحجاب الشرعي ..{ سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم }[1]
اللهم اجعل عملي كله صالحاً
واجعله لوجهك خالصًا
ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئاً
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
عبد الله الزبير عبد الرحمن
الخرطوم / 9 رمضان 1411هـ
