كتاب عمل المرأة المسلمة

أحمد الله العظيم رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخيرته في خلقه، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، أرسله للإيمان منادياً، وإلى الجنة داعياً، وإلى صراطه المستقيم هادياً، وبكل معروف آمراً وعن كل منكر ناهياً، رفع له ذكره، وشرح له صدره، ووضع عنه وزره، وجعل الذلة والصَّغار على من خالف أمره، والسعادة والشفاعة لمن تابع سيره. اللهم فصلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ومن اتبعهم بإحسان وعلى نهجهم سار.

أما بعد:

فهذا الموضوع وما يتعلق به من مباحث ومسائل من أهم ما يجب أن يكتب فيه الباحثون ويتكلم فيه العلماء، للحيرة التي تضرب عقول العامة والخاصة، والاضطراب السائد فـي الفتاوى والأقوال في شأن المرأة والبيت المسلم، لنعيد النظر في نصوص الشرع وأحكامه نحكم ما انفلت، إذ كان الهم السابق هو تجديد الدين في شأن المرأة المسلمة فطغت الإباحة، وصارت كأن كل شيء بالنسبة للمرأة جائز مباح، فأصبح التجديد تبديداً. فاحتجنا إلى تجديد جديد يضبط المنفلت، ويربط المنفكّ، ويعيد السائب.

وحق الدعوة والأمة أن تعقد الندوات والمحاضرات، وتصنف الكتب والرسائل، وتعدّ البحوث والأوراق، وتجرى المناقشات والمناظرات في شأن المرأة والبيت المسلم، تصدياً للحملة الكافرة من أعداء الأمة وعقيدتها لتفكيك الأسرة المسلمة، التي وجدوها البنية الأساسية والمؤثر الأقوى في بناء الشخصية المسلمة، وعلموا أنهم لن يتمكنوا من مسخ هذه الشخصية مسخاً كاملاً إلا إذا فككوا رابطة الأسرة، وقوّضوا أركانها، وفتتوا ثوابتها، وقلعوا قواعدها، وقاعدة الأسرة هي المرأة.

فعقدوا لذلك المؤتمرات تلو المؤتمرات، يخرجون في كل مؤتمر بتوصية تذويب رواسي الأسرة والإساءة إليها. ويوقعون الاتفاقيات ليخرجوا المرأة من حصن الأسرة إلى غاب الشهوة على مكر شديد وخداع لا ينطلي على أولي النهى والعقول والألباب، وفي هذا يقع التعدي الحقيقي لحدود الله.

 فقد جعل رب العزة حدود الله في أحكام الأسرة، ففي القرآن لم يرد إلا في شأن الأسرة!! لنعلم مدى أهمية الأسرة ووجوب صيانتها.

ففي أحكام الأسرة المسلمة ليالي الصيام بعد قوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَختَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَيكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُواْ وَٱشرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلخَيطُ ٱلأَبيَضُ مِنَ ٱلخَيطِ ٱلأَسوَدِ مِنَ ٱلفَجرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيلِۚ وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلمَسَٰجِدِۗ تِلكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقرَبُوهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} البَقَرَةِ : 187    .

وفي الإحسان بالمفارقة ـ وإن تم الفراق بين الزوجين ـ جعل ذلك رب العزة من حدود الله فقال تعالى: {ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعرُوفٍ أَوۡ تَسرِيحُۢ بِإِحسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيتُمُوهُنَّ شَيئا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعتَدوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ – فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيرَهُۥۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ وَتِلكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوۡمٖ يَعلَمُونَ} البَقَرَةِ :  ٢٢٩  ٢٣٠

وبعد أحكام الميراث والتوارث بين أفراد الأسرة جاء قوله تعالى: { تِلكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلهُ جَنَّٰتٖ تَجرِي مِن تَحتِهَا ٱلأَنهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلفَوۡزُ ٱلعَظِيمُ } النِّسَاء : 13

وفي سورة المجادلة في أحكام الظهار جاء قوله تعالى:{ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطعَامُ سِتِّينَ مِسكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} المُجَادلَة : 4

وفي سورة الطلاق في أحكام الطلاق جاء قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحصُواْ ٱلعِدَّةَۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ لَا تُخرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخرُجۡنَ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَتِلكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفسَهُۥۚ لَا تَدۡرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحدِثُ بَعدَ ذَٰلِكَ أَمراً }الطَّلَاق :1

موضع واحد جاء فيه الأمر بحفظ حدود الله، ويدخل فيه الحفاظ على الأسرة والاحتياط في شأنها وعدم التساهل في صيانتها عند قوله تعالى في سورة التوبة: {ٱلتَّٰٓئِبُونَ ٱلعَٰبِدُونَ ٱلحَٰمِدُونَ ٱلسَّٰٓئِحُونَ ٱلرَّٰاكِعُونَ ٱلسَّٰجِدُونَ ٱلأٓمِرُونَ بِٱلۡمَعرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلمُنكَرِ وَٱلحَٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلمُؤۡمِنِينَ } التَّوۡبَة :112. فالمؤمن المستحق للبشارة من يسعى في صيانة الأسرة المسلمة ذكراً وتربية، وتعليماً وتوجيهاً، في الأخلاق والأذواق والأشواق إلى الله وجناته ورضوانه.

من هنا: تتّضح أهمية الكلام في المرأة المسلمة وعملها خارج البيت ليكون المقصد الأول من توظيفها وتكليفها، أو منعها وتقييدها، هو: صيانة الأسرة المسلمة من التفكّك والتفلّت، وحمايتها من الوقوع في سخط الله.

ولقد جاء البحث في مقدمة وخاتمة وخمسة فصول:

الفصل الأول: المرأة المسلمة والأعمال الدعوية.

والفصل الثاني: المرأة المسلمة والأعمال الجهادية والعسكرية.

والفصل الثالث: المرأة المسلمة والأعمال التجارية والمالية.

والفصل الرابع: المرأة المسلمة والأعمال المهنية والمدنية.

والفصل الخامس: المرأة المسلمة والأعمال السياسية والولائية.

ومع أن الأعمال التجارية والاقتصادية والمالية داخلة من جهة التصنيف في الأعمال المهنية؛ إلا أني رأيت أنها تحتاج إلى مبحث مستقل لكبرها واتساع شريحة النساء العاملات فيها. والله تعالى أسأله أن يوفقنا في مرضاته.

اللهم اجعل عملنا كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئاً.

وصلَّى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد e وآله وصحبه أجمعين.

                 الراجي عفو ربـه

عبد الله الزبير عبد الرحمن صالـح

             المدينـة المنـورة

فـي: 27 رمضان 1428هـ ـ 5 أكتوبر2007م

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *