تذكرة المسؤولين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وسائر المرسلين وعلى آلهم وأصحابهم الخيّرين وأتباعهم بإحسان أجمعين.

أما بعد:

فهذه صفحاتٌ واعظةٌ كُتبتْ بسنان المحبة والشفقة لنفسـي وإخواني ممن ابتلاهم الله بأثقال تكاليف الولايات في بلادنا الشريفة التي جُمع فيها بين الأمراء والعلماء والتَأَمَ فيها السلطان مع القرآن، فأوجد الواقع حرصَ الأمراء بلسان الحال وإلحاح المقال على معرفة ما لهم وما عليهم من لسان العلماء، وما ينتظرهم إنْ أحسنوا أو أساءُوا عند رب البرية يوم الدين في محـشر اللقاء، فجاءني التكليف الثقيل بإعداد ذلك المطلب، ليكون مرشداً معيناً للعقول، وموعظةً حاضرةً للقلوب، ودرساً زاكياً للنفوس!!..

عسى أن أكون أول من ينتفع به، وتتزكَّى نفسه عليه، ويبادر قلبه إلى التزامه، لنكون جميعاً من ذوي الصدور الواعية، والعقول الفاهمة، والذوات العاملة، والقلوب المطمئنة إلى انتمائه وصدقه ووفائه للعهد، شعاره ودثاره مع الله وعباده ومع أهله ورعيته: {وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلعَهدَ كَانَ مَسـُٔولٗا}[الإسراء: 34].

فلتكن هذه الرسالة تذكرة لمن غفل عن حقائق ما هو عليه، وذكرى لمن كان يرجو لقاء ربه والاستقامة على أمره، وأراد التصحيح، وابتغى القول النصيح، فإن الذكرى تنفع المؤمنين.

وقد جعلتها في ثلاثة فصول:

الفصل الأول: في التعريف والمفهوم والحكم التكليفي لهذه الوظائف والمناصب.

والفصل الثاني: جعلته في مثالب التكليف ومسالب التوظيف لبيان كيفَ أن هذه الوظائف والمناصب تكاليفها ثقيلة وتبعاتها تنوء بالعصبة أولي القوة..

والفصل الثالث: جُعل في عظم الحساب الجامع لعظيم المحاسبة وعظيم المعاقبة، مزيداً على ذلك بنماذج الزهد عن المناصب لما يتوقعونه لسوء العواقب من ثلّة فاضلة من أئمة هذا الدين وعلماء هذه الأمة من الفقهاء والمحدثين والمفسرين والصالحين رحمة الله تعالى عليهم.

ومع أنّ هذه الرسالة أُلزمت بكتابتها إلزاماً ممن يجب عليّ طاعته وأحبّ موافقته؛ إلا إنني أرجو أن أقدّم ما فيها من معانٍ ومبانٍ ومبادئ ومواعظ، هدية من أخٍ محبٍّ لإخوانه، راجٍ لهم خير الحياة في الدنيا وحسن النجاة في الآخرة. وأقول ما قيل في مثلها:([1]).

الناس يهدون على قـدرهـــم           لكنني أهدي على قـدري

    يهدون ما يَفْنَى وأهدي الــذي           يبقى على الأيام والدهــرِ

  اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


([1]) انظر: سير أعلام النبلاء، ج19 ص 492.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *